حقوقي فلسطيني لـ"جسور بوست": تهجير 40 ألف مواطن بالضفة مشهد نكبة جديد
عقب هدم المنازل في مخيمي جنين وطولكرم
قال الدكتور محمود الحنفي، مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)، إن ما تشهده الضفة الغربية، وتحديدًا شمالها، من اجتياحات عسكرية إسرائيلية متكررة، يرقى إلى مستوى التهجير القسري الجماعي، مؤكدًا أن "أكثر من 40 ألف فلسطيني نزحوا مؤخرًا بفعل هذه العمليات الإجرامية، لا سيما في مدينتي جنين وطولكرم".
وأوضح الحنفي في تصريح خاص لـ"جسور بوست" أن "ما يجري هو سياسة ممنهجة لتفريغ الضفة الغربية ديمغرافيا من أهلها، وتفكيك بنية المجتمع الفلسطيني، عبر استهداف ممنهج للمخيمات والأحياء ذات الكثافة السكانية، التي لطالما شكلت معاقل للصمود والهوية الوطنية".
وأضاف: "ما يبعث على الألم هو أن هذه المخيمات التي أنشئت بعد نكبة 1948، لتكون مأوى للمهجرين، لكنها أصبحت اليوم هدفًا مباشرًا للجرافات والطائرات الإسرائيلية، ومن ثم فإن اللاجئ الفلسطيني الذي حُرم من حق العودة، يُعاد تهجيره من جديد داخل وطنه، في مفارقة مأساوية تعكس عمق المعاناة المستمرة".
فرض وقائع جديدة على الأرض بالقوة
وأكد الحنفي أن ما يحدث لا يمكن فصله عن سياق أوسع، تسعى فيه إسرائيل إلى فرض وقائع جديدة على الأرض بالقوة، من خلال إزالة المخيمات، وتفريغ المناطق الحساسة من سكانها الأصليين، وخلق بيئة طاردة للحياة، ما يشكّل خرقًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، ويصنف كجريمة حرب.
كما أشار إلى أن الصمت الدولي حيال هذه الانتهاكات يمثل تواطؤًا ضمنيًا، داعيًا المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي إلى الخروج عن صمته، واتخاذ خطوات عملية لحماية المدنيين، ووقف سياسات العقاب الجماعي والتهجير القسري.
واختتم حديث بالقول: "النكبة الفلسطينية لم تنتهِ، بل تتجدد أمام أعين العالم بصور جديدة، حيث تفرغ الضفة الغربية بصمت جراء العمليات العسكرية، التي تستهدف تفكيك المجتمع الفلسطيني، وضرب مقومات صموده السياسي والإنساني".
وقبل أيام، واصلت جرافات الجيش الإسرائيلي عمليات الهدم في مخيمي جنين وطولكرم، حيث دُمرت عشرات المنازل والبنى التحتية بشكل ممنهج، في مشهد يكرس سياسة التهجير القسري التي تستهدف سكان الضفة الغربية المحتلة.
هذه العمليات لم تقتصر على الهدم فقط، بل رافقتها اجتياحات عسكرية واشتباكات عنيفة، أجبرت مئات العائلات على ترك منازلها تحت القصف، ما يعمّق المأساة الإنسانية ويعيد إنتاج سيناريوهات النكبة بصيغة ميدانية متجددة.
سياسات تقييد الحركة
ويتزامن هذا التصعيد الميداني، مع تطبيق سياسات تقييد الحركة، ومنع الترميم، وتعطيل الخدمات الأساسية، ما يعمق المحاولات الممنهجة للسلطات الإسرائيلية بخلق بيئة طاردة للحياة الفلسطينية، بحيث تجبر السكان على النزوح، تحت وطأة القصف أو الحصار أو الخوف، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية والإنسانية، وعلى رأسها اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر تهجير السكان المدنيين قسرًا في الأراضي المحتلة.
ويأتي تصاعد عمليات التهجير القسري في الضفة الغربية ضمن مسار طويل من السياسات الاستيطانية الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي للأراضي الفلسطينية المحتلة.
سياسة توسع استيطاني
فمنذ احتلال الضفة عام 1967، تبنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة توسع استيطاني ممنهجة، شملت بناء مئات المستوطنات والبؤر العشوائية، ومصادرة مئات آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين، وطرد سكانها بالقوة أو عبر التضييق المعيشي.
ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية، فإن الاستيطان يشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، خاصة المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على القوة المحتلة نقل سكانها إلى الأراضي التي تحتلها.
لكن رغم ذلك، تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية من نحو 200 ألف في التسعينيات إلى أكثر من 700 ألف اليوم، وسط تصاعد في عمليات الهدم والإخلاء، خاصة في القدس، والخليل، والأغوار الشمالية، إلى جانب الضفة الشمالية التي تشهد اليوم تصعيدًا غير مسبوق في التهجير.
ويُنظر إلى هذه السياسات باعتبارها جزءًا من منظومة إحلال استيطاني تهدف إلى تقويض إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا، وتحويل الفلسطينيين إلى مجتمعات معزولة وهشّة، تُحاصر بالمستوطنات من جهة، وتُستنزف بالتدمير والنزوح من جهة أخرى.